فصل: فصل في اختلاف درجات الزنا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فَصْل في بيان مضار الزنا وآثاره السيئة:

عباد الله كلنا يعلم أن الزنا من كبائر الذُّنُوب وأن فيه فسادًا للزاني والزانية أما فساده للزانية فهو واضح لأنها بذَلِكَ الجرم العَظِيم- جرم الزنا- تجد حلاوة فتفسد كُلّ من اتصل بها، فيصبحون في تعلقهم بالنساء كالكلب المسعور هَذَا من جهةٍ ومن جهةٍ أخرى تفسد فراش زوجها إن كَانَ ذات زوجٍ وَرُبَّمَا أدخلت عَلَيْهِ أولادًا من الزناة ينفق عَلَيْهمْ طول حَيَاتهُ ويرثون منه بعد وفاته، ويتفوظون حرم الزوج، وَرُبَّمَا تولوا عقَدْ نكاح لهن، أو صاروا محارم لهن في حج، أو نحو ذَلِكَ نسأل الله العافية ومن جهة فساد الزاني فإنه بالزنا ينكلب ويتولع فيه، وكل أنثى يتعدى عَلَيْهَا يحلو لها هَذَا السفاح فتفسد كالأولى كثيرين من الناس تنبهوا بعد أن كَانُوا غافلين فيفسدون من النساء كثيرات وهكَذَا فالواني لص يسرق ثروة النَّاس في حياتهم وبعد الْمَمَات بما يدخله عَلَيْهمْ من أولاد يعولونهم وإن كانت المرأة التي تعدى عَلَيْهَا غير متزوجة فقَدْ أفسد حياتها بهتك عرضها وصرف أنظار راغبي الزواج عَنْهَا فتعيش بعد جرم الزنا عيشة ذل وهوان لا زوج يحصنها ولا عائل يعولها هَذَا مضافًا إلى سوء السمعة وإلى الجناية على شرفها وأهلها فيقفون منه موقف الانتقام غالبًا وَرُبَّمَا قضوا عَلَيْهِ أو على ابنتهم وإن لم يقضوا وثَبِّتْ ذَلِكَ بطرق الشرع فإما جلد مائة وإما رجم يؤدي بالنفسين، هَذَا عاقبة هذه الكبيرة عصمنا الله وإياكم منها ومِنْ جَمِيعِ المعاصي فعلى الإِنْسَان أن يفكر ويعرف عواقب الجنايات على الأعراض ليحذر ويحذر عَنْهَا أجنبية أو قريبة ولا ادري كيف يقدم الزاني على الزنا وَهُوَ يؤمن أن الله مطلع عَلَيْهِ لا تخفى عَلَيْهِ منه خافية وأن جزاءه إن لم يتب توبةً نصوحًا الهاوية نسال الله السلامة منها ولا أدري كيف يزني وَهُوَ لا يشك أنه سيجازى على فعله في الدُّنْيَا قبل الآخِرَة ومن كَانَ الزنا من أعماله فلا يؤمن حتى على محارمه ولا يرغب في مصاهرته ولا مجاورته ولا مشاركته ولا معاملته ولا الإجتماع معه في محل عمله قال الله تَعَالَى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقَدْ أحلوا بأنفسهم عذاب الله». رواه الحاكم اللَّهُمَّ احمنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلمين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
مُحَمَّد اللَّهُمَّ اكتب في قلوبنا الإِيمَان وأيدنا بنور منك يا نور السماوات والأرض اللَّهُمَّ وافتح لدعائنا باب القبول والإجابة واغفر لنا وارحمنا بِرَحْمَتِكَ الواسعة إنك أَنْتَ الغفور الرحيم وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
فَصْلٌ:
ومن مضار الزنا وآثاره السيئة في المجتمَعَ الإنساني ضياع النسل والجناية عَلَيْهِ فالزاني والزانية لو أدركا متا قَدْ يترتب على زنيتهما التي تنقضي على الفور من الآثام والشرور لهان عَلَيْهِمَا أن ينفيا من الوجود ولا يرتكبا تك الجريمة الشنعاء فقَدْ يترتب على عملهما وجود ولدٍ قَدْ تخنقه تلك الفاسقة في مهده وتسقطه جنينًا.
وقَدْ تلده إنسانَا كاملاً ثُمَّ تطرحه في شارع أو مسجد أو نحو ذَلِكَ معرضًا لمحن الحياة ومصائب الليالي والأيام لا يعرف له أمًا تحنو عَلَيْهِ ولا أبًا يرحم طفولته، ويحفل بتربيته، وقَدْ يؤول إلى حضانة إنسان غير مستقيم فيربيه على غير دين الإسلام أو على أَخْلاق فاسدة فينشأ عضوًا ضارًا بالمجتمَعَ الإنساني وَذَلِكَ بَلاء عَظِيم وضرر مبين.
فإن كانت المزني بها ذات زوج كانت خيانتها أشد وجنايتها أعظم فإنها تدخل عنصرًا غريبًا بين أبنائها تغش به زوجها فيربى غير بنيه يكد يومه ويسهر ليله لينفق على من ظنه له ولدًا وَهُوَ في الحَقِيقَة لَيْسَ له أبًا وقد يكون هذا الولد الذي أدخل على هذا الإنسان نكبة على الأسرة بتمامها فإنه قَدْ ينزع إلى أبيه الحقيق ويتبعه في أخلاقه وفساده وإجرامه فيفسد على الإِنْسَان الأسرة بأكملها.
وإن كانت غير متزوجة فإن هَذَا الفاسق المتعدي تعدى على شرفها وعائلتها وأقاربها، فأفسد حياتهم، وأهان كرامتها، وأساء سمعتها وسمعتهم وعرضها للقتل أو للعقوبة الشديدة أو عرض عرضها للسقوط في بوءةٍ لا ينقذها منها إِلا الموت فإن قتلت فهو السبب الأول في قتلها، وإن أسقطت فهو الجاني، والإثُمَّ أوله وآخره، قَدْ نال منه ذَلِكَ الغادر المعتدي الحظ الأوفر.
ولو قيل لهَذَا المجرم الفاسق هل ترضى عملك أن يعمل في بناتك وأخوتك لبطش بالقائل إن كَانَ ضعيفًا يقدر على الانتقام منه والنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه». رواه البخاري فما أبعد هَذَا المعتدي عن الْعَمَل بهَذَا الْحَدِيث.
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ أَنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي الزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ؟ فَقَالَ: «أدْنُهْ». فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ: «اجْلِسْ». فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ». قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ» قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْء. وورد عن النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم أنه قال: «ما من ذنب بعد الشرك أعظم عَنْدَ الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له».
ومن مضار الزنا أن هَذَا الولد المدخل على البريء منه يرث من ماله ويكون محرمًا لبناته وزوجاته ولا يحتجبن عَنْهُ.
ومن مضاره أنه إضاعة للمال الَّذِي نهي عن إضاعته.
ومن مضاره اختلاط الأنساب وإفساد الأَخْلاق وأنه يفضى إلى فناء الأمة وأنه يدعو إلى الشقاق والفساد وأنه يوقع في الأمراض وينشرها ومن آثاره السيئة على البدن السيلان والسل الرئوي، والزهري والتشويش والقروح الأكالة.
ومن آثاره السيئة أنه يصرف الْقَلْب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه.
ومن ذَلِكَ أنه يعمي الْقَلْب ويطمس نوره وأنه يحقر النفس ويقمعها وأنه يسقط كرامة الإِنْسَان عَنْدَ الله وعَنْدَ خلقه وأنه يؤثر في نقصان العقل وانه يمحق بركة العمر وأنه يضعف في الْقَلْب تعَظِيم الله ومثله سائر المعاصي نسأل الله العفو والمعافاة من ذَلِكَ كله.
وَالسِّرّ في كثرة الزنا إلى هَذَا الحد موت غيرة كثير من النَّاس على نسائهم لا يبالون بهن ولا تتحرك مِنْهُمْ شعرة غيرة وحمية، يدلك على ذَلِكَ أن الرجل يرى امرأته بعينيه تتزين وتخَرَجَ من بيته إلى حيث لا يعلم ليلاً ونهارًا وتركب مَعَ أي سائق شاءت، وتدخل على أي خياط أرادت وتذهب إلى أي دكتورٍ باسم الكشف والعلاج وزوجها مشغول بدنياه لا يهتم لها تَرَى في خروجها رجالاً أجمل منه وأقوى منه وأنظف منه.
وَمِنْهُمْ الأفصح الأحلى كلامًا منه وهَذَا يحادثها وذاك يسامرها وقل-
ولا تبال: إن بَعْضهمْ يغازلها، وكثيرًا ما تمتد إليها الأيدي الخائنة فهل هِيَ حجر كلا إنها بشر وناقصة عقل ودين فقل من تقوى على الوقوف أمام شهواتها فلا تقف مخافة الله بينها وبين هيجانها الحيواني.
بل الرجل الَّذِي هُوَ أقوى منها عقلاً ودينًا لا يستطيع أن يقف أمام نَفْسهُ إذا هاجت وطلبت هَذَا الشَيْء وأصبحت تشعر بلذة لم تشعر بها في حياتها. أما البكر فواضح وأما المتزوجة فإن لذة الحلال عندها ناقصة لا تساوي لذة الحرام ولا تدانيها فإن الممنوع أحب وألذ كما قيل:
وَزَادَنِي كَلَفًا فِي الْحُبِّ أَنْ مَنَعَتْ ** أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الإِنْسَانِ مَا مُنِعَا

لاسيما وإبلَيْسَ يساعد عَلَيْهِ والنفس الأمارة بالسُّوء والهوى. فإذا ذاقت هذه اللذة الجديدة اشتد حرصها عَلَيْهَا كُلّ وَقْت وحينئذ تَكُون هِيَ الطالبة لا المطلوبة فتصبح تفتك بالرِّجَال فتكًا وكل رجل يزني ينكلب فيفتك النساء.
وكل امرأة يفتك بها الرجل تنكلب فتفك بالرِّجَال ويكون في هَذَا من الفساد في الأَرْض ما لا يعلم مداه إِلا الله وفي هذه الجيوش الفاسدة الجرب من الأمراض المختلفة والأوباء الكثيرة ما لا يعلم له قدر ولا حصر وباختلاطهم والحال هذه تسري أمراضهم إلى الأصحاء نسأل الله أن يعصمنا وإخواننا المسلمين منها وأن يقمَعَ أهلها والراضين بها والقادرين على إزالتها ولم يزيلوها.
اللَّهُمَّ قوي إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخِر وبالقدر خيره وشره اللَّهُمَّ وفقنا للهداية وجنبنا أسباب الجهالة والغواية اللَّهُمَّ ثبتنا على الإسلام والسنة ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أَنْتَ الوهاب، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلمين الأحياء مِنْهُمْ والمَيتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

.فصل في اختلاف درجات الزنا:

إذا فهمت ذَلِكَ فاعْلَمْ أن الزنا أعاذنا الله وَإِيَّاكَ وَجَمِيع المسلمين منه تختلف درجاته في غلظه فلَيْسَ الزنا في امرأة الكافر المحارب مثله في امرأة المعاهد ولَيْسَ هُوَ في امرأة المعاهد مثله في امرأة المسلم ولَيْسَ هُوَ في امرأة المسلم الَّذِي لَيْسَ لك بجار مثله في امرأ الجارة ولَيْسَ هُوَ في امرأة الجار مثله في امرأة الجار القريب منك وامرأة الأقرب أشد من امرأة القريب وامرأة المجاهد أشد من امرأة غيره وغير ذات الزوج لَيْسَ الزنا بها كالزنا بذات الزوج وهكَذَا تتفاوت درجاته.
وَقَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: وأعظم أنواع الزنا أن يزني بحليلة جاره فإن مفسدة الزنا تتضاعف بتضاعف ما ينتهكه من الحرمة، فالزنا بالمرأة التي لها زوج، أعظم إثمًا وعقوبة من التي لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه وتعليق نسب غيره عَلَيْهِ وغير ذَلِكَ من أنواع أذاه فهو أعظم إثمًا وجرمًا من الزنا بغير ذات البعل، فإن كَانَ زوجها جارًا له إنضاف إلى ذَلِكَ سوء الجوار.
وقَدْ ثَبِّتْ عن النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم أنه قال: «لا يدخل الْجَنَّة من لا يأمن جاره بوائقه». ولا بائقة أعظم من الزنا بامرأته فالزنا بمائة امرأةٍ لا زوج لها أيسر عَنْدَ الله من الزنا بامرأة الجار فإن كَانَ الجار أخًا له أو قريبًا من أقاربه انضم إلى ذَلِكَ قطيعة الرحم فيتضاعف الإثُمَّ فإن كَانَ الجار غائبًا في طاعة الله كالصَّلاة وطلب العلم والجهاد تضاعف الإثُمَّ.
حتى إن الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة ويُقَالُ خذ من حسناته ما شئت قال النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم: «فما ظنكم؟» أي ما ظنكم أن يترك له من حسنات قَدْ حكم في أن يأخذ منها ما شَاءَ على شدة الحاجة إلى حسنةٍ واحدةٍ حيث لا يترك الأب لابنه ولا الصديق لصديقه حقًّا يجب عَلَيْهِ.
فإن اتفق أن تَكُون المرأة رحمًا منه إنصاف إلى ذَلِكَ قطيعة رحمها فإن اتفق أن يكون الزاني محصنًا كَانَ الإثُمَّ أعظم فإن كَانَ شيخًا كَانَ أعظم إثمًا وَهُوَ أحد الثلاثة الَّذِينَ: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أََلِيمٌ} فإن اقترن بذَلِكَ وقوعه في شهرٍ حرامٍ، أو بلدٍ حرامٍ، أو وقتٍ معظمٌ عَنْدَ اللهِ كأوقات الصلواتِ وأوقات الإجابة تضاعف الإثُمَّ والعقوبة وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.
وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العَالِم فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها زوجها وأقاربها ونكست رؤوسهم بين النَّاس وإن حملت من الزنا، فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل وإن أبقته حملته على الزوج فأدخلت على أهلها وأهله أجنبيًا لَيْسَ مِنْهُمْ فورثهم ولَيْسَ مِنْهُمْ ورآهم وخلا بِهُمْ وانتسب إليهم ولَيْسَ مِنْهُمْ وأما زنا الرجل فإنه يوَجَدَ اختلاط الأنساب أيضًا وإفساد المرأة المصونة وتعريضها للتلف والفساد ففي هذه الكبيرة خراب الدُّنْيَا والدين.
ومن خاصيته أنه يوجب الفقر ويقصر العمر ويكسو صاحبه سواد الوجه وثوب المقت بين النَّاس.
ومن خاصيته أيضًا أنه يشتت الْقَلْب ويمرضه ويجلب الهم والحزن والخوف ويباعد صاحبه من الملك ويقربه من الشيطان فلَيْسَ بعد مفسدة القتل أعظم من مفسدته ولهَذَا شرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها ولو بلغ الْعَبْد أن امرأته أو حرمته قتلت كَانَ أسهل عَلَيْهِ من أن يبلغه أنها زنت.
وفي الصحيحين من خطبة النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم في صلاة الكسوف أنه قال: «يا أمة مُحَمَّد، وَاللهِ إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمدٍ، وَاللهِ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا» ثُمَّ رفع يديه فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هل بلغت».
وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقب صلاة الكسوف سر بديع لمن تأمله فظهور الزنا من أمارات خراب العَالِم وَهُوَ من أشراط الساعة كما في الصحيحين عن أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: لأحدثكم حديثًا لا يحدثكموه أحد بعدي سمعته من النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا، ويقل الرجل وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد وقَدْ جرت سنة الله سُبْحَانَهُ في خلقه أنه عَنْدَ ظهور الزنا يغضب الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ويشتد غضبه فلابد أن يؤثر غضبه في الأَرْض عقوبة».
وخص سُبْحَانَهُ حد الزنا من بين سائر الحدود بثلاث خصائص، أحدها القتل فإنه أبشع القتلات وحيث خففه فقَدْ جمَعَ فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى الْقَلْب بتغريبه عن وطنه سنة، الثاني أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحد عَلَيْهمْ.
الثالث: أنه سُبْحَانَهُ أمر أن يكون حدهما بمشهد من الْمُؤْمِنِين فلا يكون في خلوة حيث لا يراهما أحد وَذَلِكَ أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر.
ومن الأسباب التي ربما تَكُون سببًا إلى الوقوع في هذه المعصية خروج النساء إلى الأسواق متبرجات لسان حالهن يدعو إليهن الفسقة فخروجهن في هَذَا الزمان إلى الأسواق خطر عليهن من أكبر الأخطار فقل أن تسلم المرأة من التعرض لها إذا خرجت قولاً أو فعلاً وقَدْ يكون معها أبوها أو أخوها ولا تسلم من الاعتداء.
ومن الأسباب دخول الجانب على المرأة فإن الأجنبي إذا وقعت عينه على المرأة فأعجبته أو أعجبها كَانَ وراء ذَلِكَ الأمور التي تخشى عواقبها وأخطر الأجانب على المرأة أقارب زوجها وأقارب أبويها فَإِنَّهُمْ يترددون غالبًا وَرُبَّمَا كَانَ يجمعهم بيت واحدٌ وتَارَّة تَكُون وحدها في البيت عَنْدَ دخول أحدهم.
وفي ظِلّ ذَلِكَ التردد والتزاور والاجتماع يكون ما يكون مَعَ الدوام والاستمرار ومن الأسباب وجود الخدامين والخدامَاتَ والمربيات والسواقين والطباخين والخيطاطين والخياطات ونحو ذَلِكَ.
ومن الأسباب تأخَيْر من بلغ من الشابات والشبان فإنه بمجرد بلوغه تهيج عَلَيْهِ الشهوة هيجان النيران فإذا لم يكن بجانبه حلال يطفئ ذَلِكَ الهيجان رما أطفأه بما يعقب له العار في الدُّنْيَا ويعقبه في الآخِرَة إن لم يتب النار.
ومن تلك الأسباب اعوجاج الأزواج وخيانتهم بالاتصال بغيرهن على غير الوجه الشرعي فإن المرأة إذا علمت أن زوجها أصبح لغيرها أصبحت لغيره مقلدة له في ذَلِكَ ومتبعة لطريقته فسفلت فباعت عرضها تسفلاً منها وانتقامًا من زوجها الَّذِي فتح أمامها باب الإثُمَّ وسار أمامها في مهاوي الخطيئة والمرأة غالبًا على دين زوجها، أفلا يكون هَذَا الرجل هُوَ الفاسق الآثُمَّ لأنه الَّذِي سن لها هذه السنة السيئة ومن سن سنة سيئة فعَلَيْهِ وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وَرُبَّمَا كَانَ مثالاً سيئًا يقتدى به في ذَلِكَ وَرُبَّمَا قلدته بناته وأولاده وأخواته وقديمًا قيل في الزوجة.
لا تَطّلِعْ مِنْكَ عَلَى رَيْبَةٍ ** فَيَتْبَعُ الْمَقْرُونُ حَبْلَ الْقَرِين

آخر:
وَلا تَجْلِسْ إِلَى أَهْلِ الدَّنَايَا ** فَإِنَّ خَلائِقَ الْفُسَّاقِ تُعْدِي

وروى القاسم بن بشير في أماليه وابن عدي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «عفوا تعف نساؤكم». وروى ابن ماجة بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وسلم قال: «من ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها». قال بَعْضهمْ:
يَا هَاتِكًا حَرَمَ الرِّجَالِ وَتَابِعًا ** طُرُقَ الْفَنَادِ فَأَنْتَ غَيْرُ مُكَرَّمِ

مَنْ يَزْنِ فِي قَوْمٍ بِأَلْفَيْ دِرْهَمْ ** فِي أَهْلِهِ يُزْنَى بِرُبْعِ الدِّرْهَمِ

إِنَّ الزِّنَا دِينٌ إِذَا اسْتَقْرَضْتَهُ ** كَانَ الْوَفَاءُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَاعْلَم

وإنه لينذر جدًا أن تَرَى فاجرًا من بيت عفيف أو عفيفًا من بيتٍ فاجر وإن وَجَدَ ذَلِكَ على ندرته فلابد وَاللهُ أَعْلَمُ أن يكون من تأثير بيئة أخرى غير بيئة المنزل التي هِيَ المزرعة الأولى لبذور الأَخْلاق.
أَرَى صَاحِبَ النِّسْوَانِ يَحْسَبُ أَنَّهَا ** سَوَاءٌ وَبُونٌ بَيْنَهُنَّ بَعِيدُ

فَمِنْهُنَّ جَنَّاتٌ يَفِيءُ ضَلالُهَا ** وَمِنْهُنَّ نِيْرَاةٌ لَهُنَّ وَقُودُ

آخر:
بَعْضُ النِّسَاءِ وَإِنْ عُرِفْنَ بِعِفَّمةٍ ** جِيَفٌ عَلَيْهِنَّ النُّسُورُ الْحُوَّمُ

اليوم عِنْدَكَ جِيدُهَا وَحَدِيثُهَا ** وَغَدًا لِغَيْرِكَ عَطْفُهَا وَالْمُعْصَمُ

كَالْخَانِ تَنْزِلُهُ وَتَصْبِحُ رَاحِلاً ** عَنْهُ وَيَنْزِلُ فِيهَا مَنْ لا يَعْلَمُ

وأولى النَّاس بالعفة والحرص على التحلي بفضيلتها والابتعاد عن مواقع الريب هم الْعُلَمَاء والعظماء لأنهم قدوة يقتدى بِهُمْ.
أقوالهم مأثورة، وأفعالهم منظورة، وهفواتهم عظائم، وزلاتهم من أكبر الجرائم فعَلَيْهمْ أن يعرفوا أقدار أنفسهم ويقدروا لها موضعها من الكرامة.
أَدْرِكُوا الْعِلْمَ وَصُونُوا أَهْلَهُ ** عَنْ ظَلُومٍ حَادَ عَنْ تَبْجِيلِهِ

إِنَّمَا يَعْرِفُ قَدْرَ الْعِلْمِ مَنْ ** سَهِرَتَ عَيْنَاهُ فِي تَحْصِيلِه

آخر:
يَا خَائِفَ الْمَوْتِ لَو أَمْسَيْتَ خائِفَهُ ** كانت دُمُوعُكَ طُولَ الدَّهْرِ تَنْبَجِسُ

أَمَا يَهُولُكَ يَومٌ لا دِفَاعَ لَهُ ** إِذْ أَنْتَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ مُنْغَمِسُ

أَمَا تَهُولُكَ كَأسٌ أَنْتَ شارِبُها ** وَالْعَقْلُ مِنْكَ لِكُوبِ الْمَوْتِ مُلْتَبِسُ

لِلْمَوْتِ مَا تَلِدُ الأَقْوَامُ كُلُّهُمْ ** وَلِلْبِلَى كُلُّ مَا بَنُوا وَمَا غَرَسُوا

إِيّاكَ إِيّاكَ وَالدُّنْيَا وَلَذَّتَها ** فَالْمَوتُ فِيهَا لِخَلْقِ اللهِ مُفْتَرِسُ

إِنَّ الْخَلائِقَ فِي الدُّنْيَا لَوِ اجتَهَدوا ** أَنْ يَحبِسُوا عَنْكَ هَذَا الْمَوْتَ ما حَبَسُوا

إِنَّ الْمَنِيَّةَ حَوْضٌ أَنْتَ تَكرَهُهُ ** وَأَنْتَ عَمّا قَليلِ سَوْفَ تَنغَمِسُ

ما لي رَأَيتُ بَني الدُّنْيَا قَدِ اِفتَتَنوا ** كَأَنَّمَا هَذِهِ الدُّنْيَا لَهُمْ عُرُسُ

إِذَا وَصَفْتُ لَهُم دُنْيَاهُمُ ضَحِكوا ** وَإِن وَصَفْتُ لَهُمْ أُخْرَاهُمُ عَبَسُوا

مَا لِي رَأَيْتُ بَنِي الدُّنْيَا وَإِخْوَتِهَا ** كَأَنَّهُم لِكِتَابِ اللهِ مَا دَرَسُوا

اللَّهُمَّ وفقنا لسلوك مناهج المتقين وخصنا بالتَّوْفِيق المبين وَاجْعَلْنَا بِفَضْلِكَ من المخلصين الَّذِينَ لا خوف عَلَيْهمْ ولا هم يحزنون.
اللَّهُمَّ وفقنا للعمل بما يرضيك وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالدينَا وَلِجَمِيعِ المُسْلمين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِهِ أَجْمَعِين.